الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوافَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ نَبِيِّ اللَّهِ إِلَّا أَنْ تُدْعَوْا إِلَى طَعَامٍ تَطْعَمُونَهُ (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يَعْنِي: غَيْرَ مُنْتَظِرِينَ إِدْرَاكَهُ وَبُلُوغَهُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ أَنَى هَذَا الشَّيْءُ يَأْنِي إِنًى وَأَنْيًا وَإِنَاءً، قَالَ الْحُطَيْئَةُ: وآنَيْـتُ الْعَشَـاءَ إلَـى سُـهَيْلٍ *** أَوِ الشِّـعْرَى فَطَـالَ بِـيَ الأَنَـاءُ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى يُقَالُ: قَدْ آنَ لَكَ، أَيْ: تَبَيَّنَ لَكَ أَيْنًا وَنَالَ لَكَ، وَأَنَالَ لَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ: هَـاجَتْ وَمِثْـلِي نَوْلُـهُ أَنْ يَرْبَعـا *** حَمَامَـةٌ نَـاخَتْ حَمَامًـا سُـجَّعًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ (إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) قَالَ: مُتَحَيِّنِينَ نُضْجَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يَقُولُ: غَيْرَ نَاظِرِينَ الطَّعَامَ أَنْ يُصْنَعَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) قَالَ: غَيْرُ مُتَحَيِّنِينَ طَعَامَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَنَصْبُ (غَيْرَ) فِي قَوْلِهِ (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) عَلَى الْحَالِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) لِأَنَّ الْكَافَ وَالْمِيمَ مَعْرِفَةٌ وَغَيْرُ نَكِرَةٍ، وَهِيَ مِنْ صِفَةِ الْكَافِ وَالْمِيمِ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ فِي (غَيْرَ) الْجَرُّ عَلَى الطَّعَامِ، إِلَّا أَنْ تَقُولَ: أَنْتُمْ، وَيَقُولُ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: أَبْدَى لِعَبْدِ اللَّهِ عَلَيَّ امْرَأَةً مُبْغِضًا لَهَا، لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا النَّصْبُ، إِلَّا أَنْ تَقُولَ: مُبْغِضٌ لَهَا هُوَ، لِأَنَّكَ إِذَا أَجْرَيْتَ صِفَتَهُ عَلَيْهَا، وَلَمْ تُظْهِرِ الضَّمِيرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ لَهُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا، لَوْ قُلْتَ: هَذَا رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ مُلَازِمِهَا، كَانَ لَحْنًا حَتَّى تَرْفَعَ فَتَقُولَ: مُلَازِمُهَا، أَوْ تَقُولَ: مُلَازِمَهَا هُوَ فَتَجُرَّ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: لَوْ جَعَلْتَ (غَيْرَ) فِي قَوْلِهِ (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) خَفْضًا كَانَ صَوَابًا، لِأَنَّ قَبْلَهَا الطَّعَامَ وَهُوَ نَكِرَةٌ، فَيُجْعَلُ فِعْلُهُمْ تَابِعًا لِلطَّعَامِ، لِرُجُوعِ ذِكْرِ الطَّعَامِ فِي إِنَاهُ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: رَأَيْتُ زَيْدًا مَعَ امْرَأَةٍ مُحْسِنًا إِلَيْهَا وَمُحْسِنٍ إِلَيْهَا؛ فَمَنْ قَالَ مُحْسِنًا جَعَلَهُ مِنْ صِفَةِ زَيْدٍ، وَمَنْ خَفَضَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُهُ مَعَ الَّتِي يُحْسِنُ إِلَيْهَا، فَإِذَا صَارَتِ الصِّلَةُ لِلنَّكِرَةِ أَتْبَعَتْهَا وَإِنْ كَانَتْ فِعْلًا لِغَيْرِ النَّكِرَةِ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: فَقُلْـتُ لَـهُ هَـذِهِ هَاتِهَـا *** إِلَيْنَـا بِأَدْمَـاءَ مُقْتَادِهَـا فَجَعَلَ الْمُقْتَادَ تَابِعًا لِإِعْرَابِ (بِأَدْمَاءَ)، لِأَنَّهُ بِمَنْـزِلَةِ قَوْلِكَ: بِأَدْمَاءَ تَقْتَادُهَا، فَخَفَضَهُ لِأَنَّهُ صِلَةٌ لَهَا، قَالَ: وَيُنْشَدُ: بِأَدْمَاءِ مُقْتَادِهَا، بِخَفْضِ الْأَدْمَاءِ لِإِضَافَتِهَا إِلَى الْمُقْتَادِ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ: هَاتِهَا عَلَى يَدَيْ مَنِ اقْتَادَهَا. وَأُنْشِدَ أَيْضًا: وَإِنِ امْـرَءًا أَهْـدَى إِلَيْـكِ وَدُونَـهُ *** مِـنَ الْأَرْضِ مَوْمَـاةٌ وَبَيْـدَاءُ فَيْهَـقُ لَمَحْقُوقَـةٌ أَنْ تَسْـتَجِيبِي لِصَوْتِـهِ *** وَأَنْ تعْلَمِـي أَنَّ الْمُعَـانَ مُـوَفَّقُ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ سَمَاعًا يُنْشَدُ: أَرَأَيْـتِ إِذْ أَعْطَيْتُـكِ الْـوُدَّ كُلَّـهُ *** وَلَـمْ يَـكُ عِنْـدِي إِنْ أَبَيْـتِ إِبَـاءُ أَمُسْـلِمَتِي لِلْمَـوْتِ أَنْـتِ فَمَيِّـتٌ *** وَهَـلْ لِلنُّفُـوسِ الْمُسَـلَّمَاتِ بَقَـاءُ وَلَمْ يَقُلْ: فَمَيِّتٌ أَنَا، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ: يَدُكَ بَاسِطُهَا يُرِيدُونَ: أَنْتَ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ خَفْضُ (غَيْرَ). وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، الْقَوْلُ بِإِجَازَةِ جَرِّ (غَيْرَ) فِي (غَيْرَ نَاظِرِينَ) فِي الْكَلَامِ، لَا فِي الْقِرَاءَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَبْيَاتِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا، فَأَمَّا فِي الْقِرَاءَةِ فَغَيْرُ جَائِزٍ فِي (غَيْرَ) غَيْرُ النَّصْبِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى نَصْبِهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا) يَقُولُ: وَلَكِنْ إِذَا دَعَاكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادْخُلُوا الْبَيْتَ الَّذِي أَذِنَ لَكُمْ بِدُخُولِهِ (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) يَقُولُ: فَإِذَا أَكَلْتُمُ الطَّعَامَ الَّذِي دُعِيتُمْ لِأَكْلِهِ فَانْتَشِرُوا، يَعْنِي: فَتَفَرَّقُوا وَاخْرُجُوا مِنْ مَنْـزِلِهِ (وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) فَقَوْلُهُ (وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى نَاظِرِينِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: أَنْتَ غَيْرُ سَاكِتٍ وَلَا نَاطِقٍ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: مُسْتَأْنِسِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى مَعْنَى نَاظِرِينَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ لَا نَاظِرِينِ إِنَاهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ (وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ) نَصْبًا حِينَئِذٍ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا حَالَتْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ فَتَرُدُّ أَحْيَانًا عَلَى لَفْظِ الْأَوَّلِ وَأَحْيَانًا عَلَى مَعْنَاهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ أَبَا الْقَمْقَامِ أَنْشَدُهُ: أَجِـدُكَ لَسْـتَ الدَّهْـرَ رَائِـيَ رَامَـةٍ *** وَلَا عَـاقِلٍ إِلَّا وَأَنْـتَ جَـنِيبُ وَلَا مُصْعِـدٍ فِـي الْمُصْعِـدِينَ لِمَنْعِـجٍ *** وَلَا هَابِطًـا مَـا عِشْتُ هَضْبَ شَطِيبِ فَرَدَّ (مُصْعِدٍ) عَلَى أَنَّ رَائِيَ فِيهِ بَاءٌ خَافِضَةٌ، إِذْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصْعِدِ مِمَّا حَالَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْكَلَامِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ (وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ): وَلَا مُتَحَدِّثِينَ بَعْدَ فَرَاغِكُمْ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ إِينَاسًا مِنْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ بِهِ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) بَعْدَ أَنْ تَأْكُلُوا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْمٍ طَعِمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَلِيمَةِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ فِي مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ حَاجَةٌ فَمَنَعَهُ الْحَيَاءُ مِنْ أَمْرِهِمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَنْـزِلِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَبُعِثْتُ دَاعِيًا إِلَى الطَّعَامِ، فَدَعَوْتُ، فَيَجِيءُ الْقَوْمُ يَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ الْقَوْمُ يَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ دَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ، قَالَ: ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ، وَإِنَّزَيْنَبَلَجَالِسَةٌ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، وَكَانَتْ قَدْ أُعْطِيَتْ جَمَالًا وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَة، فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ " فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ قَالَ: فَأَتَى حُجَرَ نِسَائِهِ فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَة، فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا الثَّلَاثَةُ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَة، فَلَا أَدْرِي أَخْبَرْتُهُ، أَوْ أُخْبِرُ أَنَّ الرَّهْطَ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ حَتَّى وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةٍ دَاخِلَ الْبَيْتِ، وَالْأُخْرَى خَارِجَهُ، إِذْ أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ بِشْرُ بْنُ دِحْيَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَأَلَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ الْحِجَابِ فَقُلْتُ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ، نَزَلَتْ فِي شَأْنِزَيْنَبَ؛ أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ، فنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْـزِلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَرُوسًا، فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى خَرَجُوا وَبَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ لِكَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَة زوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَىزَيْنَبَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا، وأُنْـزِلَ الْحِجَابُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، » عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَبِيحَةَ بَنَىبِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَأَوْسَعَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ رَجَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَأَتَى حُجَرَ نِسَائِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ، فَدَعَوْنَ لَهُ، وَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ وَأَنَا مَعَهُ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَابِ إِذَا رَجُلَانِ قَدْ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُمَا وَلَّى رَاجِعًا، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّى عَنْ بَيْتِهِ، وَلَّيَا مُسْرِعَيْنَ، فَلَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ونَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ حَجَبْتَ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ آيَةِ الْحِجَابِ: لَمَّا أُهْدِيَتْزَيْنَبُإِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ طَعَامًا، وَدَعَا الْقَوْمَ، فَجَاءُوا فَدَخَلُواوَزَيْنَبُمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ، وَجَعَلُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ ثُمَّ يَدْخُلُ وَهُمْ قُعُودٌ، قَالَ: فنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} إِلَى {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} قَالَ: فَقَامَ الْقَوْمُ وَضُرِبَ الْحِجَابُ». حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ الْقَوْمَ إِلَى الطَّعَامِ، فَلَمَّا أَكَلُوا وَخَرَجُوا، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْطَلِقًا قِبَلَ بَيْتِ عَائِشَة، فَرَأَى رَجُلَيْنِ جَالِسَيْنَ، فَانْصَرَفَ رَاجِعًا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}». حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ نَهْشَلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ، فَقَالَتْزَيْنَبُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّكَ لَتَغَارُ عَلَيْنَا وَالْوَحْيُ يَنْـزِلُ فِي بُيُوتِنَا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: وَكُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ، قَالَ: فَأَتَى بِامْرَأَةٍ عَرُوسٍ، ثُمَّ جَاءَ وَعِنْدَهَا قَوْمٌ، فَانْطَلَقَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَاحْتُبِسَ وَعَادَ وَقَدْ خَرَجُوا، قَالَ: فَدَخَلَ فَأَرْخَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا، قَالَ: فَحَدَّثْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، لَيَنْـزِلَنَّ فِي هَذَا شَيْءٌ، قَالَ: ونَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْتِأُمِّ سَلَمَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} قَالَ: كَانَ هَذَا فِي بَيْتِأُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: أَكَلُوا، ثُمَّ أَطَالُوا الْحَدِيثَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَسْتَحِي مِنْهُمْ، وَاللَّهُ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ. قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُنَّ أُمِرْنَ بِالْحِجَابِ عِنْدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} يَقُولُ: إِنَّ دُخُولَكُمْ بُيُوتَ النَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَجُلُوسَكُمْ فِيهَا مُسْتَأْنِسِينَ لِلْحَدِيثِ بَعْدَ فَرَاغِكُمْ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ الَّذِي دُعِيتُمْ لَهُ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحِي مِنْكُمْ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْهَا إِذَا قَعَدْتُمْ فِيهَا لِلْحَدِيثِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ، أَوْ يَمْنَعَكُمْ مِنَ الدُّخُولِ إِذَا دَخَلْتُمْ بِغَيْرِ إِذْنٍ مَعَ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ مِنْكُمْ {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكُمْ، وَإِنِ اسْتَحْيَا نَبِيُّكُمْ فَلَمْ يُبَيِّنْ لَكُمْ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ حَيَاءً مِنْكُمْ. {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يَقُولُ: وَإِذَا سَأَلْتُمْ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّوَاتِي لَسْنَ لَكُمْ بِأَزْوَاجٍ مَتَاعًا (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) يَقُولُ: مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِنَّ بُيُوتَهُنَّ {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سُؤَالُكُمْ إِيَّاهُنَّ الْمَتَاعَ إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ ذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ مِنْ عَوَارِضِ الْعَيْنِ فِيهَا الَّتِي تَعْرِضُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ، وَفِي صُدُورِ النِّسَاءِ مِنْ أَمْرِ الرِّجَالِ، وَأَحْرَى مِنْ أَنْ لَا يَكُونُ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِنَّ سَبِيلٌ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّسَبَبَ أَمْرِ اللَّهِ النِّسَاءَ بِالْحِجَابِ، إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَة معَهُمَا، فَأَصَابَتْ يَدُهَا يَدَ الرَّجُلِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَـانَ يَطْعَمُ وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَأَصَابَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَ عَائِشَة، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَةِ عُمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ، قَالَا: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا حَمِيدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ قَالَ: فنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: «إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ؛ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: قَدْ عَرَفْنَاكِ يَاسَوْدَةُ؛ حِرْصًا أَنْ يَنْـزِلَ الْحِجَابُ، قَالَ: فَأَنْـزَلَ اللَّهُ الْحِجَاب». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: «خَرَجَتْسَوْدَةُلِحَاجَتِهَا بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، وَكَانَتِ امْرَأَةً تَفْرَعُ النِّسَاءَ طُولًا فَأَبْصَرَهَا عُمَرُ، فَنَادَاهَا: يَاسَوْدَةُإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ أَوْ كَيْفَ تَصْنَعِينَ؟ فَانْكَفَأَتْ فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لِيَتَعَشَّى، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَ وَمَا قَالَ لَهَا، وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعِرْقًا فَأُوحِيَ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ، وَإِنَّ الْعِرْقَ لَفِي يَدِهِ، فَقَالَ: "لَقَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ"». حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، قَالَ: ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ فَقَالَتْزَيْنَبُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّكَ لَتَغَارُ عَلَيْنَا وَالْوَحْيُ يَنْـزِلَ فِي بُيُوتِنَا؟ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}. حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ النَّهْرَانِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: ثني ابْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَِ، عَنْ عَائِشَة أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَزَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: قَدْ عَرَفْنَاكِ يَاسَوْدَةُ؛ حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْـزِلَ الْحِجَابُ، قَالَتْ عَائِشَة: فَأَنْـزَلَ اللَّهُ الْحِجَابَ، قَالَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا...} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ}يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لَكُمْ {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} يَقُولُ: وَمَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُكُمْ، وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهُ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَـزَلَ فِي رَجُلٍ كَانَ يَدْخُلُ قَبْلَ الْحِجَابِ، قَالَ: لَئِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ لَأَتَزَوَّجَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ سَمَّاهَا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: «قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} قَالَ: رُبَّمَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةً مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ يُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَنَـزَلَ الْقُرْآنُ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} الْآيَةَ». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ، وَقَدْ مَلَكَقَيْلَةَ بِنْتَ الْأَشْعَثِ، فَتَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ، فَشَقَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ إِنَّهَا لَمْ يُخَيِّرْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَحْجِبْهَا، وَقَدْ بَرَّأَهَا مِنْهُ بِالرِّدَّةِ الَّتِي ارْتَدَّتْ مَعَ قَوْمِهَا، فَاطْمَأَنَّ أَبُو بَكْرٍ وَسَكَنَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ عَنْ عَامِرٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَقَدْ مَلَكَبِنْتَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍوَلَمْ يُجَامِعْهَا، » ذَكَرَ نَحْوَهُ. وَقَوْلُهُ (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا) يَقُولُ: إِنَّ أَذَاكُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِكَاحَكُمْ أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ مِنَ الْإِثْمِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنْ تُظْهِرُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ شَيْئًا أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مُرَاقَبَةِ النِّسَاءِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ أَوْ أَذَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ: لَأَتَزَوَّجَنَّ زَوْجَتَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، (أَوْ تُخْفُوهُ) يَقُولُ: أَوْ تُخْفُوا ذَلِكَ فِي أَنْفُسِكُمْ، {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ ذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأُمُورِ غَيْرِكُمْ، عَلِيمٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ يُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا حَرَجَ عَلَى أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا إِثْمَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ عَنْهُنَّ الْجُنَاحُ فِي هَؤُلَاءِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وُضِعَ عَنْهُنَّ الْجُنَاحُ فِي وَضْعُِ جَلَابِيبِهِنَّ عِنْدَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ (لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ...) الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: أَنْ تَضَعَ الْجِلْبَابَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ (لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ) وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَنْ يَرُوهُنَّ. وَقَالَ آخَرُونَ: وَضَعَ عَنْهُنَّ الْجُنَاحَ فِيهِنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِجَابِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ (لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ...) إِلَى (شَهِيدًا): فَرَخَّصَ لِهَؤُلَاءِ أَنْ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْهُمْ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ وَضَعَ الْجُنَاحَ عَنْهُنَّ فِي هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْهُمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عُقَيْبَ آيَةِ الْحِجَابِ، وَبَعْدَ قَوْلِ اللَّهِ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ (لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ) اسْتِثْنَاءً مِنْ جُمْلَةِ الَّذِينَ أُمِرُوا بِسُؤَالِهِنَّ الْمَتَاعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ إِذَا سَأَلُوهُنَّ، ذَلِكَ أَوْلَى وَأَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: لَا إِثْمَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِذْنِهِنَّ لِآبَائِهِنَّ وَتَرْكِ الْحِجَابِ مِنْهُنَّ، وَلَا لِأَبْنَائِهِنَّ وَلَا لِإِخْوَانِهِنَّ وَلَا لِأَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ. وَعَنَى بِإِخْوَانِهِنَّ وَأَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ إِخْوَتَهُنَّ وَأَبْنَاءَ إِِخْوَتِهِنَّ. وَخَرَجَ مَعَهُمْ جَمْعُ ذَلِكَ مَخْرَجَ جَمْعِ فَتَى إِذَا جُمِعَ فِتْيَانٌ، فَكَذَلِكَ جَمْعُ أَخٍ إِذَا جُمِعَ إِخْوَانٌ. وَأَمَّا إِذَا جُمِعَ إِخْوَةٌ، فَذَلِكَ نَظِيرُ جَمْعِ فَتَى إِذَا جُمِعَ فِتْيَةٌ، وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ الْعَمَّ عَلَى مَا قَالَ الشَّعْبِيُّ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَصِفَهُنَّ لِأَبْنَائِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} قُلْتُ: مَا شَأْنُ الْعَمِّ وَالْخَالِ لَمْ يُذْكَرَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُمَا يَنْعَتَانِهَا لِأَبْنَائِهِمَا، وَكُرْهًا أَنْ تَضَعَ خِمَارَهَا عِنْدَ خَالِهَا وَعَمِّهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى،، قَالَ: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ يَنْعَتَانِهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا نِسَائِهِنَّ) يَقُولُ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ أَيْضًا فِي أَنْ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (وَلَا نِسَائِهِنَّ) قَالَ: نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ الْحَرَائِرُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَرَيْنَ تِلْكَ الزِّينَةَ، قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ فِي الزِّينَةِ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ. قَالَ: وَلَوْ نَظَرَ الرَّجُلُ إِلَى فَخْذِ الرَّجُلِلَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، قَالَ: (وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكْشِفَ قُرْطَهَا لِلرَّجُلِ، قَالَ: وَأَمَّا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْخِضَابُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: وَالزَّوْجُ لَهُ فَضْلٌ وَالْآبَاءُ مِنْ وَرَاءِ الرَّجُلِ لَهُمْ فَضْلٌ، قَالَ: وَالْآخَرُونَ يَتَفَاضَلُونَ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ يَجْمَعُهُ مَا ظَهَرَ مِنَ الزِّينَةِ، قَالَ: وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنَ الْمَمَالِيكِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَالَ آخَرُونَ: مِنَ النِّسَاءِ. وَقَوْلُهُ: (وَاتَّقِينَ اللَّهَ) يَقُولُ: وَخِفْنَ اللَّهَ أَيُّهَا النِّسَاءُ أَنْ تَتَعَدَّيْنَ مَا حَدَّ اللَّهُ لَكُنَّ، فَتُبْدِينَ مِنْ زِينَتِكُنَّ مَا لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تُبْدِينَهُ، أَوْ تَتْرُكْنَ الْحِجَابَ الَّذِي أَمَرَكُنَّ اللَّهُ بِلُزُومِهِ، إِلَّا فِيمَا أَبَاحَ لَكُنَّ تَرْكَهُ، وَالْزَمْنَ طَاعَتَهُ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَفْعَلْنَهُ مِنِ احْتِجَابِكُنَّ، وَتَرْكِكُنَّ الْحِجَابَ لِمَنْ أَبَحْتُ لَكُنَّ تَرْكَ ذَلِكَ لَهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُنَّ، يَقُولُ: فَاتَّقِينَ اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُنَّ لَا تَلْقَيْنَ اللَّهَ، وَهُوَ شَاهِدٌ عَلَيْكُمْ، بِمَعْصِيَتِهِ، وَخِلَافِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَتَهْلَكْنَ، فَإِنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُبَرِّكُونَ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} يَقُولُ: يُبَارِكُونَ عَلَى النَّبِيِّ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ يَرْحَمُ النَّبِيَّ، وَتَدْعُو لَهُ مَلَائِكَتُهُ وَيَسْتَغْفِرُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْعُوا لِنَبِيِّ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) يَقُولُ: وَحَيُّوهُ تَحِيَّةَ الْإِسْلَامِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهِبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الْآيَةَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ الْأَجْلَحِ، عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} قُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، قَالَ: خُطِبْنَا بِفَارِسَ فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ...) الْآيَةَ، فَقَالَ: أَنْبَأَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هَكَذَا أُنْـزِلَ، فَقُلْنَا: أَوْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا السَّلَامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ...} الْآيَةَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ". حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا السَّلَامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ". وَقَالَ الْحَسَنُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا جَعَلْتَهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَبَّهُمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَرُكُوبِهِمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَصْحَابَ التَّصَاوِيرِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَرُومُونَ تَكْوِينَ خَلْقٍ مِثْلَ خَلْقِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هُمْ أَصْحَابُ التَّصَاوِيرِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} قَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا زَالَ أُنَاسٌ مِنْ جَهَلَةِ بَنِي آدَمَ حَتَّى تَعَاطَوْا أَذَى رَبِّهِمْ، وَأَمَّا أَذَاهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ طَعْنُهُمْ عَلَيْهِ فِي نِكَاحِهِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّفِيمَا ذُكِرَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} قَالَ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اتَّخَذَصَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ. وَقَوْلُهُ (لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابًا يُهِينُهُمْ فِيهِ بِالْخُلُودِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ) كَانَ مُجَاهِدٌ يُوَجِّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ (يُؤْذُونَ) إِلَى يَقْفُونَ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ) قَالَ: يَقْفُونَ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَا قَالَ مُجَاهِدٌ: وَالَّذِينَ يَقْفُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. وَيَعِيبُونَهُمْ طَلَبًا لِشَيْنِهِمْ (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) يَقُولُ: بِغَيْرِ مَا عَمِلُوا. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) قَالَ: عَمِلُوا. حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} قَالَ: فَكَيْفَ إِذَا أُوذِيَ بِالْمَعْرُوفِ، فَذَلِكَ يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} قَالَ: كَيْفَ بِالَّذِي يَأْتِي إِلَيْهِمُ الْمَعْرُوفَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} فَإِيَّاكُمْ وَأَذَى الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَحُوطُهُ، وَيَغْضَبُ لَهُ. وَقَوْلُهُ (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) يَقُولُ: فَقَدِ احْتَمَلُوا زُورًا وَكَذِبًا وَفِرْيَةً شَنِيعَةً، وَبُهْتَانٌ: أَفْحَشُ الْكَذِبِ، (وَإِثْمًا مُبِينًا) يَقُولُ: وَإِثْمًا يُبِينُ لِسَامِعِهِ أَنَّهُ إِثْمٌ وَزُورٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ: لَا يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ فِي لِبَاسِهِنَّ إِذَا هُنَّ خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ لِحَاجَتِهِنَّ، فَكَشَفْنَ شُعُورَهُنَّ وَوُجُوهَهُنَّ. وَلَكِنْ لِيُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ؛ لِئَلَّا يَعْرِضَ لَهُنَّ فَاسْقٌ، إِذَا عَلِمَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ، بِأَذًى مِنْ قَوْلٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الْإِدْنَاءِ الَّذِي أَمَرَهُنَّ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ فَلَا يُبْدِينَ مِنْهُنَّ إِلَّا عَيْنًا وَاحِدَةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} أَمَرَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فِي حَاجَةٍ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِنَّ بِالْجَلَابِيبِ وَيُبْدِينَ عَيْنًا وَاحِدَةً. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فَلَبِسَهَاعِنْدَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: وَلَبِسَهَا عِنْدَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَبِسَهَا عِنْدِي عُبَيْدَةُ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ بِرِدَائِهِ فَتَقَنَّعَ بِهِ، فَغَطَّى أَنْفَهُ وَعَيْنَهُ الْيُسْرَى وَأَخْرَجَ عَيْنَهُ الْيُمْنَى، وَأَدْنَى رِدَاءَهُ مِنْ فَوْقٍ حَتَّى جَعَلَهُ قَرِيبًا مِنْ حَاجِبِهِ أَوْ عَلَى الْحَاجِبِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ ثنا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ قَوْلِهِ {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} قَالَ: فَقَالَ بِثَوْبِهِ، فَغَطَّى رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ، وَأَبْرَزَ ثَوْبَهُ عَنْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُمِرْنَ أَنْ يَشْدُدْنَ جَلَابِيبَهُنَّ عَلَى جِبَاهِهِنَّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ثني أَبِي قَالَ ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} إِلَى قَوْلِهِ (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) قَالَ: كَانَتِ الْحُرَّةُ تَلْبَسُ لِبَاسَ الْأَمَةِ فَأَمَرَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ. وَإِدْنَاءُ الْجِلْبَابِ: أَنْ تَقَنَّعَ وَتَشُدَّ عَلَى جَبِينِهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ إِذَا خَرَجْنَ أَنْ يُقَنِّعْنَ عَلَى الْحَوَاجِبِ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} وَقَدْ كَانَتِ الْمَمْلُوكَةُ إِذَا مَرَّتْ تَنَاوَلُوهَا بِالْإِيذَاءِ، فَنَهَى اللَّهُ الْحَرَائِرَ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) يَتَجَلْبَبْنَ فَيُعْلَمُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلَا يَعْرِضُ لَهُنَّ فَاسْقٌ بِأَذًى مِنْ قَوْلٍ وَلَا رِيبَةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ثنا حَكَّامٌ عَنْ عَنْبَسَةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ عَلَى غَيْرِ مَنْزِلٍ، فَكَانَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُنَّ إِذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجْنَ يَقْضِينَ حَوَائِجَهُنَّ. وَكَانَ رِجَالٌ يَجْلِسُونَ عَلَى الطَّرِيقِ لِلْغَزَلِ. فَأَنْـزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} يَقَّنَّعْنَ بِالْجِلْبَابِ حَتَّى تُعْرَفَ الْأَمَةُ مِنَ الْحُرَّةِ. وَقَوْلُهُ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِدْنَاؤُهُنَّ جَلَابِيبَهُنَّ إِذَا أَدْنَيْنَهَا عَلَيْهِنَّ أَقْرَبُ وَأَحْرَى أَنْ يُعْرَفْنَ مِمَّنْ مَرَرْنَ بِهِ، وَيَعْلَمُوا أَنَّهُنَّ لَسْنَ بِإِمَاءٍ فَيَتَنَكَّبُوا عَنْ أَذَاهُنَّ بِقَوْلٍ مَكْرُوهٍ، أَوْ تَعَرُّضٍ بِرِيبَةٍ (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا) لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْكِهِنَّ إِدْنَاءِهِنَّ الْجَلَابِيبَ عَلَيْهِنَّ (رَحِيمًا) بِهِنَّ أَنْ يُعَاقِبَهُنَّ بَعْدَ تَوْبَتِهِنَّ بِإِدْنَاءِ الْجَلَابِيبِ عَلَيْهِنَّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَهْلُ النِّفَاقِ الَّذِينَ يَسْتَسِرُّونَ بِالْكُفْرِ وَيُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يَعْنِي: رِيبَةً مِنْ شَهْوَةِ الزِّنَا وَحُبِّ الْفُجُورِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} قَالَ: هُمُ الزُّنَاةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قَالَ: شَهْوَةُ الزِّنَا. قَالَ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ ثنا أَبُو صَالِحٍ التَّمَّارُ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قَالَ: شَهْوَةُ الزِّنَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ثنا حَكَّامٌ عَنْ عَنْبَسَةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قَالَ: الزُّنَاةُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} الْآيَةَ، قَالَ: هَؤُلَاءِ صِنْفٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أَصْحَابُ الزِّنَا، قَالَ: أَهْلُ الزِّنَا مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ النِّسَاءَ فَيَبْتَغُونَ الزِّنَا. وَقَرَأَ: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} قَالَ: وَالْمُنَافِقُونَ أَصْنَافٌ عَشَرَةٌ فِي بَرَاءَةٍ، قَالَ: فَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ صِنْفٌ مِنْهُمْ مَرِضَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) يَقُولُ: وَأَهْلُ الْإِرْجَافِ فِي الْمَدِينَةِ بِالْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ. وَكَانَ إِرْجَافُهُمْ فِيمَا ذُكِرَ كَالَّذِي حَدَّثَنِي بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} الْآيَةَ، الْإِرْجَافُ: الْكَذِبُ الَّذِي كَانَ نَافَقَهُ أَهْلُ النِّفَاقِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: أَتَاكُمْ عَدَدٌ وَعُدَّةٌ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَرَادُوا أَنْ يُظْهِرُوا مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ، فَأَوْعَدَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} الْآيَةَ، فَلَمَّا أَوْعَدَهُمِ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَتَمُوا ذَلِكَ وَأَسَرُّوهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) هُمْ أَهْلُ النِّفَاقِ أَيْضًا الَّذِينَ يُرْجِفُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَقَوْلُهُ (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) يَقُولُ: لَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ وَلَنُحَرِّشَنَّكَ بِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) يَقُولُ: لَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ): أَيْ لَنَحْمِلَنَّكَ عَلَيْهِمْ لَنُحَرِّشَنَّكَ بِهِمْ. قَوْلُهُ (ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) يَقُولُ: ثُمَّ لَنَنْفِيَنَّهُمْ عَنْ مَدِينَتِكَ فَلَا يَسْكُنُونَ مَعَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْمُدَّةِ وَالْأَجَلِ، حَتَّى تَنْفِيَهُمْ عَنْهَا فَنُخْرِجَهُمْ مِنْهَا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) أَيْ بِالْمَدِينَةِ. وَقَوْلُهُ {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَطْرُودِينَ مَنْفِيِّينَ (أَيْنَمَا ثُقِفُوا) يَقُولُ: حَيْثُمَا لُقُوا مِنَ الْأَرْضِ أُخِذُوا وَقُتِّلُوا لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ تَقْتِيلًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (مَلْعُونِينَ) عَلَى كُلِّ حَالٍ {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} إِذَا هُمْ أَظْهَرُوا النِّفَاقَ. وَنُصِبَ قَوْلُهُ: (مَلْعُونِينَ) عَلَى الشَّتْمِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَلِيلَ مِنْ صِفَةِ الْمَلْعُونِينَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ (مَلْعُونِينَ) مَرْدُودًا عَلَى الْقَلِيلِ؛ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا أَقِلَّاءَ مَلْعُونِينَ يُقَتَّلُونَ حَيْثُ أُصِيبُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ فِي مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ مِنْ ضُرَبَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، إِذَا هُمْ أَظْهَرُوا نِفَاقَهُمْ أَنْ يُقَتِّلَهُمْ تَقْتِيلًا وَيَلْعَنَهُمْ لَعْنًا كَثِيرًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} الْآيَةَ، يَقُولُ: هَكَذَا سُنَّةُ اللَّهِ فِيهِمْ إِذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ. وَقَوْلُهُ {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَنْ تَجِدَ يَا مُحَمَّدُ لِسُنَّةِ اللَّهِ الَّتِي سَنَّهَا فِي خَلْقِهِ تَغْيِيرًا، فَأَيْقَنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُغَيِّرٍ فِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ سُنَّتَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ) يَا مُحَمَّدُ (عَنِ السَّاعَةِ) مَتَى هِيَ قَائِمَةٌ؟ قُلْ لَهُمْ: إِنَّمَا عِلْمُ السَّاعَةِ (عِنْدَ اللَّهِ) لَا يَعْلَمُ وَقْتَ قِيَامِهَا غَيْرُهُ {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} يَقُولُ: وَمَا أَشْعَرَكَ يَا مُحَمَّدُ لَعَلَّ قِيَامَ السَّاعَةِ يَكُونُ مِنْكَ قَرِيبًا. قَدْ قَرُبَ وَقْتُ قِيَامِهَا، وَدَنَا حِينُ مَجِيئِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ أَبْعَدَ الْكَافِرِينَ بِهِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَأَقْصَاهُمْ عَنْهُ (وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا) يَقُولُ: وَأَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ نَارًا تَتَّقِدُ وَتَتَسَعَّرُ لِيُصْلِيَهُمُوهَا (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِي السَّعِيرِ أَبَدًا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ (لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يَتَوَلَّاهُمْ، فَيَسْتَنْقِذُهُمْ مِنَ السَّعِيرِ الَّتِي أَصْلَاهُمُوهَا اللَّهُ (وَلَا نَصِيرًا) يَنْصُرُهُمْ، فَيُنْجِيهِمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَجِدُ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا فِي يَوْمِ تُقَلَّبَ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ (يَقُولُونَ) وَتِلْكَ حَالُهُمْ فِي النَّارِ (يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ) فِي الدُّنْيَا وَأَطَعْنَا رَسُولَهُ فِيمَا جَاءَنَا بِهِ عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَكُنَّا مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، يَا لَهَا حَسْرَةً وَنَدَامَةً، مَا أَعْظَمَهَا وَأَجَلَّهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الْكَافِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَهَنَّمَ: رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا أَئِمَّتَنَا فِي الضَّلَالَةِ وَكُبَرَاءَنَا فِي الشِّرْكِ (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) يَقُولُ: فَأَزَالُونَا عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ وَطَرِيقِ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ بِكَ وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَإِخْلَاصِ طَاعَتِكَ فِي الدُّنْيَا (رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ) يَقُولُ: عَذِّبْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مِثْلَيْ عَذَابِنَا الَّذِي تُعَذِّبُنَا (وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) يَقُولُ: وَاخِزِهِمْ خِزْيًا كَبِيرًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا) أَيْ: رُءُوسَنَا فِي الشَّرِّ وَالشِّرْكِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا) قَالَ: هُمْ رُءُوسُ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ، قَالَ: سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا وَاحِدٌ. وَقَرَأَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ (سَادَتَنَا) وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (سَادَاتِنَا) عَلَى الْجَمْعِ، وَالتَّوْحِيدُ فِي ذَلِكَ هِيَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (لَعْنًا كَبِيرًا) فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِالثَّاءِ (كَثِيرًا) مِنَ الْكَثْرَةِ، سِوَى عَاصِمٍ فَإِنَّهُ قَرَأَهُ (لَعْنًا كَبِيرًا) مِنَ الْكِبَرِ. وَالْقِرَاءَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالثَّاءِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ بِقَوْلٍ يَكْرَهُهُ مِنْكُمْ، وَلَا بِفِعْلٍ لَا يُحِبُّهُ مِنْكُمْ، وَلَا تَكُونُوا أَمْثَالَ الَّذِينَ آذَوْا مُوسَى نَبِيَّ اللَّهِ فَرَمَوْهُ بِعَيْبٍ كَذِبًا وَبَاطِلًا (فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ وَالزُّورِ بِمَا أَظْهَرَ مِنَ الْبُرْهَانِ عَلَى كَذِبِهِمْ (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) يَقُولُ: وَكَانَ مُوسَى عِنْدَ اللَّهِ مُشَفَّعًا فِيمَا يَسْأَلُ، ذَا وَجْهٍ وَمَنْـزِلَةً عِنْدَهُ بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالْأَذَى الَّذِي أُوذِيَ بِهِ مُوسَى الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَمَوْهُ بِأَنَّهُ آدَرُ، وَرَوَى بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرًا. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى) قَالَ: قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: إِنَّكَ آدَرُ، قَالَ: فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ فَخَرَجَتِ الصَّخْرَةُ تَشْتَدُّ بِثِيَابِهِ وَخَرَجَ يَتْبَعُهَا عُرْيَانًا حَتَّى انْتَهَتْ بِهِ إِلَى مَجَالِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: فَرَأَوْهُ لَيْسَ بِآدَرَ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا). حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى) قَالَ: قَالُوا هُوَ آدَرُ قَالَ: فَذَهَبَ مُوسَى يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَمَرَّ الْحَجَرُ بِثِيَابِهِ، فَتَبِعَ مُوسَى قَفَاهُ، فَقَالَ: ثِيَابِي حَجَرُ. فَمَرَّ بِمَجْلِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ؛ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ ثني عَمِّي قَالَ ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} إِلَى (وَجِيهًا) قَالَ: كَانَ أَذَاهُمْ مُوسَى أَنَّهُمْ قَالُوا وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَضَعَ ثِيَابَهُ عِنْدَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ، فَآذَى ذَلِكَ مُوسَى، فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ يَغْتَسِلُ وَثَوْبُهُ عَلَى صَخْرَةٍ، فَلَمَّا قَضَى مُوسَى غُسْلَهُ وَذَهَبَ إِلَى ثَوْبِهِ لِيَأْخُذَهُ انْطَلَقَتِ الصَّخْرَةُ تَسْعَى بِثَوْبِهِ وَانْطَلَقُ يَسْعَى فِي أَثَرِهَا حَتَّى مَرَّتْ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ يَطْلُبُهَا، فَلَمَّا رَأَوْا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَجَرِّدًا لَا ثَوْبَ عَلَيْهِ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَرَى بِمُوسَى بَأْسًا، وَإِنَّهُ لَبَرِيءٌ مِمَّا كُنَّا نَقُولُ لَهُ، فَقَالَ اللَّهُ {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} الْآيَةَ قَالَ: كَانَ مُوسَى رَجُلًا شَدِيدَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَرْجِهِ وَثِيَابِهِ، قَالَ: فَكَانُوا يَقُولُونَ: مَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا عَيْبٌ فِي فَرْجِهِ يَكْرَهُ أَنْ يُرَى، فَقَامَ يَوْمًا يَغْتَسِلُ فِي الصَّحْرَاءِ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ، فَاشْتَدَّتْ بِثِيَابِهِ، قَالَ: وَجَاءَ يَطْلُبُهَا عُرْيَانًا حَتَّى اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ عُرْيَانًا، فَرَأَوْهُ بَرِيئًا مِمَّا قَالُوا، وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا، قَالَ: وَالْوَجِيهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمُحِبُّ الْمَقْبُولُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ أَبْرَصُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ثنا يَعْقُوبُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: إِنَّ مُوسَى آدَرُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ أَبْرَصُ، مِنْ شِدَّةِ تَسَتُّرِهِ، وَكَانَ يَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ عَيْنًا، فَيَغْتَسِلُ وَيَضَعُ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ عِنْدَهَا، فَعَدَتِ الصَّخْرَةُ بِثِيَابِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَجْلِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَاءَ مُوسَى يَطْلُبُهَا فَلَمَّا رَأَوْهُ عُرْيَانًا لَيْسَ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا قَالُوا لَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الصَّخْرَةِ يَضْرِبُهَا بِعَصَاهُ، فَأَثَّرَتِ الْعَصَا فِي الصَّخْرَةِ. حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ ثنا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} الْآيَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لَا يَكَادُ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالُوا: مَا تَسَتَّرَ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ فِي جِلْدِهِ؛ إِمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا، وَإِنَّ مُوسَى خَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجْرٍ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، أَقْبَلَ عَلَى ثَوْبِهِ لِيَأْخُذَهُ، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصًا وَطَلَبَ الْحَجَرَ، وَجَعَلَ يَقُولُ: ثُوبِي حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا كَأَحْسَنِ النَّاسِ خَلْقًا وَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، وَإِنَّ الْحَجَرَ قَامَ فَأَخَذَ ثَوْبُهُ وَلَبِسَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِذَلِكَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ فِي الْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا". حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ مُوسَى رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ وَهُمْ عُرَاةٌ وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى حَيِيًّا؛ فَكَانَ يَتَسَتَّرُ إِذَا اغْتَسَلَ، فَطَعَنُوا فِيهِ بِعَوْرَةٍ قَالَ: فَبَيْنَا نَبِيُّ اللَّهِ يَغْتَسِلُ يَوْمًا إِذْ وَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْطَلَقَتِ الصَّخْرَةُ وَاتَّبَعَهَا نَبِيُّ اللَّهِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ تَوَسَّطَهُمْ، فَقَامَتْ فَأَخَذَ نَبِيُّ اللَّهِ ثِيَابَهُ، فَنَظَرُوا إِلَى أَحْسَنِ النَّاسِ خَلْقًا وَأَعْدَلِهِ مُرُوءَةً فَقَالَ الْمَلَأُ: قَاتَلَ اللَّهُ أفَّاكِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَتْ بَرَاءَتُهُ الَّتِي بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْهَا». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ أَذَاهُمْ إِيَّاهُ ادِّعَاءَهُمْ عَلَيْهِ قَتْلَ هَارُونَ أَخِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ قَالَ ثنا عَبَّادٌ قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى...) الْآيَةَ، قَالَ: صَعَدَ مُوسَى وَهَارُونُ الْجَبَلَ، فَمَاتَ هَارُونُ فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: أَنْتَ قَتَلْتَهُ وَكَانَ أَشَدَّ حُبًّا لَنَا مِنْكَ وَأَلْيَنَ لَنَا مِنْكَ، فَآذَوْهُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلَتْهُ حَتَّى مَرُّوا بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَكَلَّمَتِ الْمَلَائِكَةُ بِمَوْتِهِ، حَتَّى عَرَفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَانْطَلَقُوا بِهِ فَدَفَنُوهُ، فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى قَبْرِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلَّا الرَّخَمُ؛ فَجَعَلَهُ اللَّهُ أَصَمَّ أَبْكَمَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ آذَوْا نَبِيَّ اللَّهِ بِبَعْضِ مَا كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤْذَى بِهِ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا آذَوْهُ بِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ قَيْلَهُمْ: إِنَّهُ أَبْرَصُ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ ادِّعَاءَهُمْ عَلَيْهِ قَتْلَ أَخِيهِ هَارُونَ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كُلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ كُلُّ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ آذَوْهُ بِهِ، وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِمَّا قَالَ اللَّهُ إِنَّهُمْ آذَوْا مُوسَى، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصُوهُ، فَتَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ عُقُوبَتَهُ. وَقَوْلُهُ (وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) يَقُولُ: قُولُوا فِي رَسُولِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَوْلًا قَاصِدًا غَيْرَ جَائِرٍ، حَقًّا غَيْرَ بَاطِلٍ. كَمَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ ثنا الْحَسَنُ قَالَ ثنا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ (وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) يَقُولُ: سَدَادًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ثنا عَنْبَسَةُ عَنِ الْكَلْبِيِّ (وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) قَالَ: صِدْقًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) أَيْ: عَدْلًا، قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي بِهِ فِي مَنْطِقِهِ وَفِي عَمَلِهِ كُلِّهِ، وَالسَّدِيدُ الصِّدْقُ. حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ (وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا السَّدَادَ مِنَ الْقَوْلِ يُوَفِّقْكُمْ لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، فَيَصْلُحْ أَعْمَالُكُمْ (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) يَقُولُ: وَيَعْفُ لَكُمْ عَنْ ذُنُوبِكُمْ، فَلَا يُعَاقِبُكُمْ عَلَيْهَا (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فَيَعْمَلْ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَيَنْتَهِ عَمَّا نَهَاهُ وَيَقُلِ السَّدِيدَ (فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) يَقُولُ: فَقَدْ ظَفِرَ بِالْكَرَامَةِ الْعُظْمَى مِنَ اللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَاوَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ طَاعَتَهُ وَفَرَائِضَهُ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ عَلَى أَنَّهَا إِنْ أَحْسَنَتْ أُثِيبَتْ وَجُوزِيَتْ، وَإِنْ ضَيَّعَتْ عُوقِبَتْ، فَأَبَتْ حَمْلَهَا شَفَقًا مِنْهَا أَنْ لَا تَقُومَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهَا، وَحَمَلَهَا آدَمُ (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا) لِنَفْسِهِ (جَهُولًا) بِالَّذِي فِيهِ الْحَظُّ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} قَالَ: الْأَمَانَةُ: الْفَرَائِضُ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ. قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ عَنِ الْعَوَّامِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} قَالَ: الْأَمَانَةُ الْفَرَائِضُ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ. قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ وَجُوَيْبِرٌ كِلَاهُمَا عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ...) إِلَى قَوْلِهِ: (جَهُولًا) قَالَ: الْأَمَانَةُ الْفَرَائِضُ. قَالَ جُوَيْبِرٌ فِي حَدِيثِهِ: فَلَمَّا عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ قَالَ: أَيْ رَبِّ وَمَا الْأَمَانَةُ؟ قَالَ: قِيلَ: إِنْ أَدَّيْتَهَا جُزِيتَ، وَإِنْ ضَيَّعْتَهَا عُوقِبْتَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ حَمَلْتُهَا بِمَا فِيهَا، قَالَ: فَمَا مَكَثَ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ حَتَّى عَمِلَ بِالْمَعْصِيَةِ، فَأُخْرِجَ مِنْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) قَالَ: عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: خُذْهَا بِمَا فِيهَا فَإِنْ أَطَعْتَ غَفَرْتُ لَكَ وَإِنْ عَصَيْتَ عَذَّبْتُكَ، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، فَمَا كَانَ إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى أَصَابَ الْخَطِيئَةَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} إِنْ أَدَّوْهَا أَثَابَهُمْ وَإِنْ ضَيَّعُوهَا عَذَّبَهُمْ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَأَشْفَقُوا مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَلَكِنْ تَعْظِيمًا لِدِينِ اللَّهِ أَنْ لَا يَقُومُوا بِهَا، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى آدَمَ فَقَبِلَهَا بِمَا فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} غِرًّا بِأَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبَى قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ): الطَّاعَةَ عَرَضَهَا عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَهَا عَلَى آدَمَ، فَلَمْ تُطِقْهَا، فَقَالَ لِآدَمَ: يَا آدَمُ إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، فَلَمْ تُطِقْهَا، فَهَلْ أَنْتَ آخِذُهَا بِمَا فِيهَا؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ: وَمَا فِيهَا؟ قَالَ: إِنْ أَحْسَنْتَ جُزِيتَ وَإِنْ أَسَأْتَ عُوقِبْتَ، فَأَخَذَهَا آدَمُ فَتَحَمَّلَهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا). حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فِي قَوْلِهِ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} قَالَ: آدَمُ قِيلَ لَهُ خُذْهَا بِحَقِّهَا قَالَ وَمَا حَقُّهَا؟ قِيلَ: إِنْ أَحْسَنْتَ جُزِيتَ وَإِنْ أَسَأْتَ عُوقِبْتَ، فَمَا لَبِثَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ حَتَّى أُخْرِجَ مِنْهَا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} فَلَمْ يُطِقْنَ حَمْلَهَا فَهَلْ أَنْتَ يَا آدَمُ آخِذُهَا بِمَا فِيهَا؟ قَالَ آدَمُ وَمَا فِيهَا يَا رَبِّ؟ قَالَ: إِنْ أَحْسَنْتَ جُزِيتَ وَإِنْ أَسَأْتَ عُوقِبْتَ فَقَالَ: تَحَمَّلْتُهَا، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَدْ حَمَّلْتُكَهَا، فَمَا مَكَثَ آدَمُ إِلَّا مِقْدَارَ مَا بَيْنَ الْأُولَى إِلَى الْعَصْرِ حَتَّى أَخْرَجَهُ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَالْأَمَانَةُِ الطَّاعَةُ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ قَالَ ثنا بَقِيَّةُ قَالَ ثني عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْأَمَانَةَ وَالْوَفَاءَ نَـزَلَا عَلَى ابْنِ آدَمَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، فَأُرْسِلُوا بِهِ؛ فَمِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ وَمِنْهُمْ نَبِيٌّ وَمِنْهُمْ نَبِيٌّ رَسُولٌ، نَـزَلَ الْقُرْآنُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ ونَزَلَتِ الْعَرَبِيَّةُ وَالْعَجَمِيَّةُ، فَعَلِمُوا أَمْرَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا أَمْرَ السُّنَنِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَمْ يَدَعِ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ مِمَّا يَأْتُونَ وَمِمَّا يَجْتَنِبُونَ وَهِيَ الْحُجَجُ عَلَيْهِمْ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُمْ، فَلَيْسَ أَهْلُ لِسَانٍ إِلَّا وَهُمْ يَعْرِفُونَ الْحَسَنَ مِنَ الْقَبِيحِ. ثُمَّ الْأَمَانَةُ أَوَّلُ شَيْءٍ يُرْفَعُ، وَيَبْقَى أَثَرُهَا فِي جُذُورِ قُلُوبِ النَّاسِ، ثُمَّ يُرْفَعُ الْوَفَاءُ وَالْعَهْدُ وَالذِّمَمُ، وَتَبْقَى الْكُتُبُ؛ فَعَالِمٌ يَعْمَلُ وَجَاهِلٌ يَعْرِفُهَا وَيُنْكِرُهَا حَتَّى وَصَلَ إِلَيَّ وَإِلَى أُمَّتِي فَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ، وَلَا يُغْفِلُهُ إِلَّا تَارِكٌ، وَالْحَذَرَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَإِيَّاكُمْ وَالْوَسْوَاسَ الْخَنَّاسَ، وَإِنَّمَا يَبْلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ قَالَ ثنا الْعَوَّامُ الْعَطَّارُ قَالَ ثنا قَتَادَةُ وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ خُلَيْدٍ الْعَصْرِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا" وَكَانَ يَقُولُ: وَأَيْمُ اللَّهِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَمَا الْأَمَانَةُ؟ قَالَ: الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمَنِ ابْنَ آدَمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ غَيْرَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: مِنَ الْأَمَانَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ اؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: «قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ عَلَيْهِنَّ الْأَمَانَةَ أَنْ يَفْتَرِضَ عَلَيْهِنَّ الدِّينَ، وَيَجْعَلَ لَهُنَّ ثَوَابًا وَعِقَابًا، وَيَسْتَأْمِنَهُنَّ عَلَى الدِّينِ، فَقُلْنَ: لَا نَحْنُ مُسَخَّرَاتٌ لِأَمْرِكَ، لَا نُرِيدُ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَعَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: بَيْنَ أُذُنِي وَعَاتِقِي". قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: أَمَا إِذْ تَحَمَّلْتَ هَذَا فَسَأُعِينُكَ، أَجْعَلُ لِبَصَرِكَ حِجَابًا إِذَا خَشِيَتْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَكَ، فَأَرْخِ عَلَيْهِ حِجَابَهُ، وَأَجْعَلُ لِلِسَانِكَ بَابًا وَغَلْقًا، فَإِذَا خَشِيتَ فَأَغْلِقْ، وَأَجْعَلُ لِفَرْجِكَ لِبَاسًا، فَلَا تَكْشِفُهُ إِلَّا عَلَى مَا أَحْلَلْتُ لَكَ». حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} يَعْنِي بِهِ: الدِّينَ وَالْفَرَائِضَ وَالْحُدُودَ {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} قِيلَ لَهُنَّ: احْمِلْنَهَا تُؤَدِّينَ حَقَّهَا؟ فَقُلْنَ: لَا نُطِيقُ ذَلِكَ {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} قِيلَ لَهُ: أَتَحْمِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: أَتُؤَدِّي حَقَّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ: إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا عَنْ حَقِّهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْأَمَانَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أَمَانَاتِ النَّاسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ عَنْ شَرِيكٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، أَوْ قَالَ: يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْأَمَانَةَ؛ يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْأَمَانَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا، ثَلَاثًا. فَيُقَالُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَيْهَا، فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَعْرِهَا، فَيَجِدُهَا هُنَاكَ كَهَيْئَتِهَا، فَيَحْمِلُهَا فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ فَيَصْعَدُ بِهَا إِلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ زَلَّتْ، فَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ". قَالُوا: وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ، فَلَقِيتُ الْبَرَاءَ فَقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: صَدَقَ. قَالَ شَرِيكٌ وثني عَيَّاشٌ الْعَامِرِيُّ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، لَمْ يَذْكُرِ الْأَمَانَةَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: إِنِ اللَّهَ عَرَضَ الْأَمَانَةَ عَلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَأَبَتْ ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، ثُمَّ الْأَرَضِينَ ثُمَّ الْجِبَالِ، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى آدَمَ فَقَالَ: نَعَمْ بَيْنَ أُذُنِي وَعَاتِقِي. فَثَلَاثٌ آمُرُكَ بِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ لَكَ عَوْنٌ: إِنِّي جَعَلْتُ لَكَ لِسَانًا بَيْنَ لِحْيَيْنِ فَكُفَّهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ نَهَيْتُكَ عَنْهُ، وَجَعَلْتُ لَكَ فَرْجًا وَوَارَيْتُهُ فُلَا تَكْشِفْهُ إِلَى مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ إِنَّمَا عَنَى بِهِ ائْتِمَانَ آدَمَ ابْنَهُ قَابِيلَ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَخِيَانَةَ قَابِيلَ أَبَاهُ فِي قَتْلِهِ أَخَاهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ لَا يُولَدُ لِآدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا وُلِدَ مَعَهُ جَارِيَةٌ، فَكَانَ يُزَوِّجُ غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْنِ الْآخَرِ، وَيُزَوِّجُ جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْنِ غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ الْآخَرِ، حَتَّى وُلِدَ لَهُ اثْنَانِ، يُقَالُ لَهُمَا: قَابِيلُ وَهَابِيلُ، وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ ضَرْعٍ، وَكَانَ قَابِيلُ أَكْبَرَهُمَا وَكَانَ لَهُ أُخْتٌ أَحْسَنَ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ، وَإِنَّ هَابِيلَ طَلَبَ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَ قَابِيلَ، فَأَبَى عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ أُخْتِي وُلِدَتْ مَعِي وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ أُخْتِكَ وَأَنَا أَحَقُّ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا فَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا هَابِيلَ فَأَبَى، وَإِنَّهُمَا قَرَّبَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ، وَكَانَ آدَمُ يَوْمَئِذٍ قَدْ غَابَ عَنْهُمَا، أَيْ بِمَكَّةَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ لِآدَمَ: يَا آدَمُ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: إِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّةَ فَأْتِهِ، فَقَالَ آدَمُ لِلسَّمَاءِ: احْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ فَأَبَتْ، وَقَالَ لِلْأَرْضِ فَأَبَتْ، فَقَالَ لِلْجِبَالِ فَأَبَتْ، فَقَالَ لِقَابِيلَ فَقَالَ: نَعَمْ، تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ وَتَجِدُ أَهْلَكَ كَمَا يَسُرُّكَ، فَلَمَّا انْطَلَقَ آدَمُ وَقَرَّبَا قُرْبَانًا وَكَانَ قَابِيلُ يَفْخَرُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ؛ هِيَ أُخْتِي، وَأَنَا أَكْبَرُ مِنْكَ، وَأَنَا وَصِيُّ وَالِدِي، فَلَمَّا قَرَّبَا، قَرَّبَ هَابِيلُ جَذَعَةً سَمِينَةً وَقَرَّبَ قَابِيلُ حُزْمَةَ سُنْبُلٍ، فَوَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَةً عَظِيمَةً فَفَرَكَهَا فَأَكَلَهَا، فنَزَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، فَغَضِبَ وَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ حَتَّى لَا تَنْكِحَ أُخْتِي، فَقَالَ هَابِيلُ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} إِلَى قَوْلِهِ {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ فَرَاغَ الْغُلَامُ مِنْهُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَأَتَاهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَرْعَى غَنَمَهُ فِي جَبَلٍ وَهُوَ نَائِمٌ، فَرَفَعَ صَخْرَةً فَشَدَخَ بِهَا رَأْسَهُ فَمَاتَ، وَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ وَلَا يَعْلَمُ كَيْفَ يُدْفَنُ؛ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ فَاقْتَتَلَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَحَفَرَ لَهُ ثُمَّ حَثَا عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} فَرَجَعَ آدَمُ فَوَجَدَ ابْنَهُ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} إِلَى آخَرِ الْآيَةِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ عُنِيَ بِالْأَمَانَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: جَمِيعُ مَعَانِي الْأَمَانَاتِ فِي الدِّينِ وَأَمَانَاتِ النَّاسِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ (عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) بَعْضَ مَعَانِي الْأَمَانَاتِ لِمَا وَصَفْنَا. وَبِنَحْوِ قَوْلِنَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ ثنا عَمْرٌو قَالَ ثنا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) يَعْنِي قَابِيلَ حِينَ حَمَلَ أَمَانَةَ آدَمَ لَمْ يَحْفَظْ لَهُ أَهْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ) قَالَ: آدَمُ (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) قَالَ: ظَلُومًا لِنَفْسِهِ جَهُولًا فِيمَا احْتَمَلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) غُرَّ بِأَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) قَالَ: ظَلُومًا لَهَا يَعْنِي الْأَمَانَةَ جَهُولًا عَنْ حَقِّهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَحَمَلَ الْإِنْسَانُ الْأَمَانَةَ كَيْمَا يُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ فِيهَا الَّذِينَ يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ فَرَائِضَ اللَّهِ مُؤْمِنِينَ بِهَا وَهُمْ مُسْتَسِرُّونَ الْكُفْرَ بِهَا وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ {وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} يَرْجِعُ بِهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ الَّتِي أَلْزَمُهُمْ إِيَّاهَا حَتَّى يُؤَدُّوهَا (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا) لِذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِسَتْرِهِ عَلَيْهَا وَتَرْكِهِ عِقَابَهُمْ عَلَيْهَا (رَحِيمًا) أَنْ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مِنْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ ثنا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} حَتَّى يَنْتَهِيَ {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} فَيَقُولُ: اللَّذَانِ خَانَاهَا اللَّذَانِ ظَلَمَاهَا: الْمُنَافِقُ وَالْمُشْرِكُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} هَذَانَ اللَّذَانِ خَانَاهَا {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} هَذَانَ اللَّذَانِ أَدَّيَاهَا {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. آخَرُ سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
|